Wednesday 24 October 2012

و ماذا بعد ؟

ستبكي حتى تأتي أمك لتلتقطك من مهدك ... سيجلب لك أبوك اللعبة التى طالما تمنيتها ، أو ربما ستدخر من مصروفك اليومي حتى تستطيع دفع ثمنها ..  ستظل تذاكر حتى تتفوق على أقرانك و تتوج الأول على دفعتك كل سنة .. في يوم ما عندما تفهم ذلك الفارق بين الصبية و الفتيات ستراقب إحدي الفتيات في المدرسة ...   تذكرك ابتسامتها بابتسامة والدتك .. و كل ما تتمناه هو أن تتلفظ شفتاها باسمك ... تحدث المعجزة و تنال مرادك و سرعان ما يمل أحدكما الآخر .. تواصل الاستذكار و التفوق على أقرانك و في كل مرحلة توجد فتاة تعجب بها لسبب ما و سرعان ما تنتهي العلاقة بينكما لسبب أو لآخر ..  ربما بعض الأماكن التى تتمنى زيارتها أو الماديات التى تتمنى امتلاكها التى سرعان ما ينتهي تعلقك بها بشكل أو بآخر .. و في كل لحظة من طفولتك تتمنى لو تكبر لتجرب شيئًا حصل عليه الآخرون و لم تحصل عليه أنت ..
و تظل حياتك تسير على نفس الشاكلة عندما تلتحق بالكلية التى طالما أردت الالتحاق بها .. إلا أن رغباتك تتشكل بحكم نضوجك .. تتغير علاقتك بالفتيات حولك ... تتغير الماديات التى تود امتلاكها من هاتف محمول إلى كمبيوتر محمول إلى جهاز لوحي .. ربما إن كنت محظوظًا كفاية بأبوين ثريين سوف تنال كل هذا .. و سرعان ما تمل كل هذا و تتوق نفسك إلى شئ آخر لا تمتلكه ..
تظل حياتك على نفس الشاكلة طول حياتك الجامعية ... تتطور رغباتك من رحلة إلى الساحل الشمالي إلى رحلة لشرم الشيخ إلى رحلة لأوروبا ... و عندما تنال كل هذا .. ربما ستفكر جديًا في السفر للمريخ عندما يكون متاحًا ...
و عندما تمل حياتك تراودك تلك الرغبة بأن تعود لطفولتك مرة أخرى و تسخر من رغبتك في أن تكبر حينها .
تتخرج بتفوق على أقرانك بالطبع ، تقرر أن كل ما سيسعدك الآن هو العمل بالخارج ..
و عندما تسافر تجد كل ما تحلم به ، مكان جديد .. أناس جديدون .. أنشطة جديدة .. تتغير رغباتك بحكم تغير الثقافة المحيطة .. لكن سرعان ما يضبح الجديد قديمًا و تمل حياتك هنا أيضًا .. ربما تشعر بالحنين لذكرياتك في موطنك الأصلي فتقرر زيارته و تمكث هناك لأسبوع ثم تمل و تتمنى السفر مرة أخرى ..
تجني ثروة .. تشترى ما تريد .. تتزوج .. تنجب ... تمل  زوجتك .. تتركها .. تفتقدها ... تقرر أن تساهم بمشروع ليساعد البشرية .. تسافر لتساعد أطفال المجاعات .. و بالفعل تنقذ ثروتك آلاف الأطفال ..
هؤلاء الأطفال يقضون حياتهم على نفس شاكلتك .. يريدون شيئًا فيحصلون عليه ثم يملونه .. و يسعون و تسعى أنت و يسعى الكل جاهدين ليشبعوا رغباتهم و سرعان ما يملونها و يسعون لرغبات أخرى ..
ثم يموت الكل تاركا خلفه كل رغباته ... ما أشبع منها أو ما لم يشبع ..
و ماذا بعد ؟

Thursday 9 August 2012

قتل المرتد - الفرق بين الحد و التعزير

بينما كنت أستمع إلى إحدي حلقات إسلاموفوبيا لفاضل سليمان و كانت تتحدث عن "حد الردة" 
يمكنك الاستماع للحلقة هنا : http://youtu.be/tUapOf7R-0Y
المهم أنه كان يتحدث عن الفرق بين الحد و التعزير ، فقال أن الحد لا يجوز ﻷى شخص أن يتراجع عنه أو يشفع للشخص الذي سيقام عليه الحد ، حتى و إن كان الرسول نفسه.
و ذكر قول الرسول : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، و ذكر أن سيدنا زيد بن حارثة كان يريد الشفاعة لامرأة سرقت فكان رد الرسول عليه : أفي حد من حدود الله يا زيد ؟

كل الذي دار بذهني عندما استمعت لهذه الجزئية ، أن سيدنا عمر بن الخطاب عطل حد السرقة في عام الرمادة ، فكيف نقول أن الحد لا يمكن إيقافه و يوقفه عمر بن الخطاب ؟
المهم أنه بعد البحث ، وجدت أن المسألة هنا كانت مسألة عدم استيفاء شروط حد قطع اليد نفسه ، هناك بعض الشروط التى تضيق حد قطع اليد إلى حالات قليلة ، و الشرط الذي يهمنا هنا و الذي لم يستوفى فاضطر عمر بن الخطاب لتعطيل الحد هو ألا تكون السرقة ﻷجل الحاجة و الضرورة ، ففي عام الرمادة كانت البلاد تمر بأزمة اقتصادية و مجاعة أدت إلى أن بعض الناس اضطر ليسرق حتى يأكل.

سؤال آخر راودني ، أن عمر بن الخطاب عمم الحد ، كان هناك احتمال أن يتواجد من سرق بدون حاجة أو ضرورة ، الإجابة عليه كانت أن تعطيل حد السرقة جاء من باب درء الحدود بالشبهات ، أى أن الحدود تدفع بالشبهات ﻷنه في عام الرمادة عمت المجاعة و كثر المحتاجون و المضطرون فكان يصعب التفريق بين السارق لحاجة و الذي يسرق و هو مستغنى.

مصادر :
http://www.youtube.com/watch?v=Kquo-2EUdDs
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=130849
http://taimiah.org/index.aspx?function=item&id=958&node=5988


 

Monday 30 July 2012

أنا عائد!

لا أذكر أني قد أريت هذه الكلمات لشخص قبلًا ، وجدتها و أنا أرتب أحد الأدراج في كراسة قديمة .. كتبتها في الصف الاول الثانوي ، و أنا أقرأها أحسست ببعض الضحالة فيها .. و ربما لهذا السبب أنا لم أرها ﻷحد قبلًا ..
------
دار بخلدنا نفس الخاطر .. ماذا يوجد خلف باب المنزل .. عشرون عامًا و نحن نسكن به و لم نبرحه قط ، عشرون عامًا و نحن محتجزون خلف تلك الأبواب .. بنسج خيالنا تصورات عما بالخارج .. نتسامر ليلًا فيبوح كل منا بما يسمعه و ما يتصوره .. حتى تكونت داخل عقولنا رؤية من نسج الخيال و من الإشاعات.
في إحدى الليالي قطع "وليد" حبل الصمت قائلًا :
- هل تذكرون سلامة ؟
أومأ كل منا برأسه ، سلامة هو أحد الخدم .. رحل منذ سنتين و توسمنا في رحيله الخير إذ أنه حينما يعود سوف يخبرنا بما رأى و بما سمع ، و لكنه لم يعد و تركنا نحن على جهلنا .
ثم جائت المفاجأة  .. اتصل سلامة بطريقة ما .. أخبرنا أنه على خير حال ، سمعنا حشرجة بسيطة في صوته .. لكنه أخبرنا أنه يشعر بالراحة.
------------
في إحدي الليالي سألت والدي متى سنرحل نحن أيضًا .. أخبرني بأنه هناك بعض المهام التى يجب إنجازها حتى نرحل.
و أخيرًا جاء اليوم الذي سأخرج فيه ...
ودعني الجميع ، قبلتني أمي ما بين عينيّ و الدموع تتساقط من مقلتيها متصورة بأني لن أرجع ، لكنني كنت قد صممت على العودة .. لن أخذلهم كما فعل سلامة و كما فعل الباقون.
-----------

فتحت الباب أخيرًا .. لا مجال للتراجع و ليس لى اختيار ..
الظلام يلف المكان .. و على ضوء القمر تستطيع رؤية تلك البيوت الصغيرة مما يعطيك شعور جميل بالتساوي مع الآخرين .. أقمت بأحد هذه المنازل رغم صغرها ..
ثم بعد يومين طرق أحدهم الباب ، لم أفتح و لكني شعرت بروحي تسلب مني .. نظرت إلى يدي فإذا بها ليست كما اعتدها !
نظرت من حولي فإذا بي بغرفة واسعة .. رائحة البخور تغمر المكان .. نظرت أمامي فإذا بأمي تذرف الدموع و تقول :
- بني ...
أنظر لها بدهشة و أنا أسألها :
- أين أنا ؟
شهقت و هى مازلت تبكي :
- بني ... بعد حادث السيارة .. لم أستطع منع نفسي ..
قلت و أنا أنظر إلى جسدي :
- و هاتان اليدان ؟ .. ما حل بجسدي ؟
تعالت شهقاتها و هى تقول :
- أنا آسفة .. لم أستطع ... صدقني لم أستطع .. اشتقت إليك كثيرًا ..
ثم استمرت قائلة :
- هذا جسد الشيخ عبد السلام ، و لكنك لم تخـ...
لم أستطع سماع باقي جملتها .. شعرت بروحي تسلب مني ثانية و وجدت نفسي في منزلي الصغير مرة أخرى ، و عندها أدركت شيئًا .. أدركت أنني لن أستطيع العودة .. سأنتظر بمنزلي الصغير حتى اليوم الآخر .

" ما بال الناس يذهبون و لا يرجعون ؟ ... أرضوا بالمقام فأقاموا ؟ .. أم تركوا هناك فناموا ؟ ... يا معشر إياد .. أين الآباء و الأجداد ؟ .. و أين الفراعنة الشداد ؟ . ألم يكونوا أكثر منكم مالًا و أطول آجالًا ؟ .. طعنهم الدهر بكلكله و مزقهم بتطاوله"
من خطبة قس بن ساعدة الإيادي.

Saturday 12 May 2012

المغفلة - أنطون تشيخوف


أنطون تشيخوف
هذه هى المرة الأولى التى أقرأ فيها ﻷنطون تشيخوف Anton Chekhov  فأحببت أن أتشارك ما قرأت معكم .
هاهي القصة - مترجمة للعربية - و أترك لكم الحكم .
-------------


المغفلة - The Ninny


منذ أيام دعوتُ الى غرفة مكتبي مربّية أولادي (يوليا فاسيليفنا) لكي أدفع لها حسابها


قلت لها: إجلسي يا يوليا…هيّا نتحاسب…
أنتِ في الغالب بحاجة إلى النقود
ولكنك خجولة إلى درجة انك لن تطلبينها بنفسك…
حسناً..لقد اتفقنا على أن أدفع لك (ثلاثين روبلاً) في الشهر
قالت: أربعين
قلت: كلا..ثلاثين..هذا مسجل عندي…كنت دائما أدفع للمربيات (ثلاثين روبلاً)…
حسناً
لقد عملت لدينا شهرين
قالت: شهرين وخمسة أيام
قلت: شهرين بالضبط..
هكذا مسجل عندي..
إذن تستحقين (ستين روبلاً)..
نخصم منها تسعة أيام آحاد..
فأنت لم تعلّمي (كوليا) في أيام الآحاد بل كنت تتنزهين معهم فقط..
ثم ثلاثة أيام أعياد
تضرج وجه (يوليا فاسيليفنا)
وعبثت أصابعها بأهداب الفستان ولكن..
لم تنبس بكلمة


*********


واصلتُ…
نخصم ثلاثة أعياد
إذن المجموع (إثنا عشر روبلاً)..
وكان (كوليا) مريضاً أربعة أيام ولم تكن تدرس..
كنت تدرّسين لـ (فاريا) فقط..
وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحتْ لك زوجتي بعدم التدريس بعد الغداء..
إذن إثنا عشر زائد سبعة.. تسعة عشر.. نخصم، الباقي ..هم.. (واحد وأربعون روبلاً).. مضبوط؟
إحمرّت عين (يوليا فاسيليفنا) اليسرى وامتلأت بالدمع، وارتعش ذقنها..
وسعلت بعصبية وتمخطت، ولكن…
لم تنبس بكلمة


*********


قلت: قبيل رأس السنة كسرتِ فنجاناً وطبقاً..
نخصم (روبلين)..
الفنجان أغلى من ذلك
فهو موروث، ولكن فليسامحك الله!!علينا العوض..
وبسبب تقصيرك تسلق (كوليا) الشجرة ومزق سترته..
نخصم عشرة..
وبسبب تقصيرك أيضا سرقتْ الخادمة من (فاريا) حذاء..
ومن واجبكِ أن ترعي كل شيء فأنتِ تتقاضين مرتباً..
وهكذا نخصم أيضا خمسة..
وفي 10 يناير أخذتِ مني (عشرة روبلات)
همست (يوليا فاسيليفنا): لم آخذ
قلت: ولكن ذلك مسجل عندي
قالت: حسناً، ليكن
واصلتُ: من واحد وأربعين نخصم سبعة وعشرين..الباقي أربعة عشر
امتلأت عيناها الاثنتان بالدموع..وظهرت حبات العرق على أنفها الطويل الجميل..يا للفتاة المسكينة
قالت بصوت متهدج: أخذتُ مرةً واحدةً.. أخذت من حرمكم (ثلاثة روبلات).. لم آخذ غيرها
قلت: حقا؟.. انظري
وانا لم أسجل ذلك!!
نخصم من الأربعة عشر ثلاثة
الباقي أحد عشر..
ها هي نقودك يا عزيزتي!!
ثلاثة.. ثلاثة.. ثلاثة.. واحد، واحد.. تفضلي
ومددت لها (أحد عشر روبلاً)..
فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة..وهمست: شكراً


*********


انتفضتُ واقفاً واخذتُ أروح وأجئ في الغرفة واستولى عليّ الغضب
سألتها: شكراً على ماذا؟
قالت: على النقود
قلت: يا للشيطان
ولكني نهبتك..
سلبتك!..
لقد سرقت منك!..
فعلام تقولين شكراً؟
قالت: في أماكن أخرى لم يعطوني شيئاً
قلت: لم يعطوكِ؟!
أليس هذا غريبا!؟
لقد مزحتُ معك..
لقنتك درساً قاسياً..
سأعطيك نقودك.. (الثمانين روبلاً) كلها
ها هي في المظروف جهزتها لكِ!!
ولكن هل يمكن أن تكوني عاجزة الى هذه الدرجة؟
لماذا لا تحتجّين؟
لماذا تسكتين؟
هل يمكن في هذه الدنيا ألاّ تكوني حادة الأنياب؟
هل يمكن ان تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة؟
ابتسمتْ بعجز فقرأت على وجهها: “يمكن”
سألتُها الصفح عن هذا الدرس القاسي وسلمتها، بدهشتها البالغة، (الثمانين روبلاً) كلها..
فشكرتني بخجل وخرجت


تطلعتُ في أثرها وفكّرتُ: ماأبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا
----
ملحق : القصة بالإنجليزية : http://goo.gl/s5tb7