Monday, 30 July 2012

أنا عائد!

لا أذكر أني قد أريت هذه الكلمات لشخص قبلًا ، وجدتها و أنا أرتب أحد الأدراج في كراسة قديمة .. كتبتها في الصف الاول الثانوي ، و أنا أقرأها أحسست ببعض الضحالة فيها .. و ربما لهذا السبب أنا لم أرها ﻷحد قبلًا ..
------
دار بخلدنا نفس الخاطر .. ماذا يوجد خلف باب المنزل .. عشرون عامًا و نحن نسكن به و لم نبرحه قط ، عشرون عامًا و نحن محتجزون خلف تلك الأبواب .. بنسج خيالنا تصورات عما بالخارج .. نتسامر ليلًا فيبوح كل منا بما يسمعه و ما يتصوره .. حتى تكونت داخل عقولنا رؤية من نسج الخيال و من الإشاعات.
في إحدى الليالي قطع "وليد" حبل الصمت قائلًا :
- هل تذكرون سلامة ؟
أومأ كل منا برأسه ، سلامة هو أحد الخدم .. رحل منذ سنتين و توسمنا في رحيله الخير إذ أنه حينما يعود سوف يخبرنا بما رأى و بما سمع ، و لكنه لم يعد و تركنا نحن على جهلنا .
ثم جائت المفاجأة  .. اتصل سلامة بطريقة ما .. أخبرنا أنه على خير حال ، سمعنا حشرجة بسيطة في صوته .. لكنه أخبرنا أنه يشعر بالراحة.
------------
في إحدي الليالي سألت والدي متى سنرحل نحن أيضًا .. أخبرني بأنه هناك بعض المهام التى يجب إنجازها حتى نرحل.
و أخيرًا جاء اليوم الذي سأخرج فيه ...
ودعني الجميع ، قبلتني أمي ما بين عينيّ و الدموع تتساقط من مقلتيها متصورة بأني لن أرجع ، لكنني كنت قد صممت على العودة .. لن أخذلهم كما فعل سلامة و كما فعل الباقون.
-----------

فتحت الباب أخيرًا .. لا مجال للتراجع و ليس لى اختيار ..
الظلام يلف المكان .. و على ضوء القمر تستطيع رؤية تلك البيوت الصغيرة مما يعطيك شعور جميل بالتساوي مع الآخرين .. أقمت بأحد هذه المنازل رغم صغرها ..
ثم بعد يومين طرق أحدهم الباب ، لم أفتح و لكني شعرت بروحي تسلب مني .. نظرت إلى يدي فإذا بها ليست كما اعتدها !
نظرت من حولي فإذا بي بغرفة واسعة .. رائحة البخور تغمر المكان .. نظرت أمامي فإذا بأمي تذرف الدموع و تقول :
- بني ...
أنظر لها بدهشة و أنا أسألها :
- أين أنا ؟
شهقت و هى مازلت تبكي :
- بني ... بعد حادث السيارة .. لم أستطع منع نفسي ..
قلت و أنا أنظر إلى جسدي :
- و هاتان اليدان ؟ .. ما حل بجسدي ؟
تعالت شهقاتها و هى تقول :
- أنا آسفة .. لم أستطع ... صدقني لم أستطع .. اشتقت إليك كثيرًا ..
ثم استمرت قائلة :
- هذا جسد الشيخ عبد السلام ، و لكنك لم تخـ...
لم أستطع سماع باقي جملتها .. شعرت بروحي تسلب مني ثانية و وجدت نفسي في منزلي الصغير مرة أخرى ، و عندها أدركت شيئًا .. أدركت أنني لن أستطيع العودة .. سأنتظر بمنزلي الصغير حتى اليوم الآخر .

" ما بال الناس يذهبون و لا يرجعون ؟ ... أرضوا بالمقام فأقاموا ؟ .. أم تركوا هناك فناموا ؟ ... يا معشر إياد .. أين الآباء و الأجداد ؟ .. و أين الفراعنة الشداد ؟ . ألم يكونوا أكثر منكم مالًا و أطول آجالًا ؟ .. طعنهم الدهر بكلكله و مزقهم بتطاوله"
من خطبة قس بن ساعدة الإيادي.